Sunday, March 4, 2012

الثورة العربية .. و الثورة المضادة أمريكية الصنع !!

المشير طنطاوي وديمبسي

| محمد شعير  - التحرير



الكتاب خطير. والمعلومات الواردة فيه قد تكون صادمة للبعض أيضا. قد نشكك فيها، لكن صاحب الكتاب جيمس بتراس يعتبر أحد كبار علماء الاجتماع فى أمريكا، وأحد كبار الكتاب والمحللين السياسيين. له من قبل 62 كتابا فى شتى مجالات علم الاجتماع السياسى. ويضعه المثقفون فى أمريكا فى مرتبة واحدة مع المفكر الشهير نعوم تشومسكى. موضوعه الأهم فى كثير من كتبه يتناول التأثير الصهيونى فى السياسة الأمريكية، ومن هنا تعددت قنوات الهجوم عليه، لكن ذلك لم يمنع أن يصبح كاتبا فى كبريات الصحف العالمية مثل «الجارديان»، و«النيويورك تايمز»، و«كريستيان ساينس مونيتور»، فضلا عن قيامه بالتدريس فى جامعة بيرمنجهام بنيويورك.
الكتاب هو «الثورة العربية.. والثورة المضادة أمريكية الصنع» الذى صدرت له ترجمة عربية قامت بها الدكتورة فاطمة نصر عن دار «سطور».
بتراس يرى فى كتابه أن الثورة المصرية تعيد كتابة التاريخ، يكشف فيه كواليس ما دار فى البيت الأبيض وفى دائرة صنع القرار الأمريكى فى وقت الثورة. كل أجهزة المخابرات فشلت فى توقع ما جرى، بل فشلت فى اكتشاف بوادر تلك الحركات الشعبية ومنع تصاعدها. وهو ما يدل على «أن ما يقرر مسيرة التاريخ لا الأسلحة أو مليارات الدولارات أو المباحث وغرف التعذيب، وإنما الثورات الديمقراطية، عندما ينهض غالبية الناس ليقولوا (كفى) وينزلوا الشارع، ويشلوا حركة الاقتصاد، ويقوضوا أركان الدولة السلطوية ويطالبوا بالحرية والمؤسسات الديمقراطية دونما تبعية للإمبريالية العالمية».
لم يكن تخلى أمريكا عن مبارك أمرا سهلا على الإطلاق، حسبما يرى بتراس، هو ما يفسر تردد أوباما فى مساندة الإطاحة بمبارك، لأن لواشنطن عملاء فى كل دول العالم: الأردن والجزائر والمكسيك وإندونسيا، وإذا تم التخلى عن حليف استراتيجى مثل مبارك فإن هؤلاء الحلفاء سيفقدون الثقة بمستقبلهم، كما أن المنظمات الرئيسية النافذة فى أمريكا («إيباك» وعديد من المنظمات اليهودية) حشدت قادة الكونجرس من أجل الضغط على البيت الأبيض لتدعم بقاء مبارك لأن إسرائيل هى المستفيد الأكبر من بقاء هذا «الديكتاتور» الذى يقبض على أعناق المصريين ويجثو لدى أقدام الدولة اليهودية. وهذا ما يفسر تحرك نظام أوباما ببطء، لكن تحت ضغط الحركة الشعبية المصرية تم البحث عن صيغة سياسية بديلة بحيث تتم إزاحة مبارك مع الحفاظ على السلطة السياسية لجهاز الدولة وتقويتها، مع دمج بديل مدنى منتخب كوسيلة لتفريغ حماس الحركة الشعبية الهائلة والحيلولة دون تبلور توجهات راديكالية لها. وكانت العقبة فى الإطاحة بمبارك أن أجهزة الأمن، وكبار جنرالات الجيش يساندون مبارك لأكثر من 30 عاما، كما أنهم كونوا ثروات هائلة نتيجة لتحكمهم فى شركات مُدرَّة لأرباح هائلة وفى مجالات واسعة المدى، ومن ثم لم يكن لهم ليقبلوا تدعيم أى تحالف شعبى بإمكانه مساءلة ميزانيتهم الاقتصادية وسلطتهم على تحديد النطاقات السياسية لأى نظام منتخب.. يفضل أوباما التعامل مع هذه الكيانات القامعة وضمان الحفاظ عليها، لكنه كان بحاجة إلى إقناعهم بالاستغناء عن مبارك والإتيان بنظام جديد يستطيع امتصاص غضب الحركة الجماهيرية وحماسها. ومن هنا «فعل أوباما كل ما هو ضرورى للحفاظ على تماسك الدولة وتحاشى أى انشقاقات قد تؤدى إلى تحالف مؤلف من الحركة الجماهيرية والجنود، الأمر الذى كان لا بد أن يحول الانتفاضة إلى «ثورة» حقيقية.
بدأ أوباما بفتح خطوط اتصال مع معظم القطاعات الليبرالية والدينية المعادية لمبارك.. وحاول فى البداية إقناعهم بالتفاوض مع مبارك، وهو الاقتراح الذى رفضته كل قوى المعارضة، ثم حاول بعد ذلك «تسويق وعد» مبارك بعدم ترشيح نفسه فى الانتخابات، ورفضت الجماهير هذا الاقتراح، ثم بدأ أوباما يعلى من وتيرة «التغييرات الفورية» دونما اتخاذ أى إجراءات لدعمها. وفى ذلك الوقت أرسل مبارك بلطجية من رجال الأمن للهجوم على المتظاهرين، ورفعت هذه الهجمات ومعها الفوضى وأعمال العنف نُذر الحرب الأهلية مما دفع واشنطن والاتحاد الأوروبى إلى الضغط على مبارك لكى يتراجع بعد أن تضاعفت أعداد المصابين والقتلى. وبدأ لوبى إسرائيل المناصر لمبارك فى الضغط مرة أخرى على أوباما من أجل التضحية بمبارك وإنقاذ الدولة.. وكانت الخطة «بقاء المباركية من دون مبارك»… أى «أن يأتى بنظام يستطيع امتصاص زخم الحشد الجماهيرى وإجراء انتخابات تأتى بمسؤولين يتبعون الخط العام للنظام السابق». لكن مبارك رفض التنحى، ولم يستطع أوباما إقناعه خصوصا مع دعم رجال أقوياء داخل الكونجرس له، فضلا عن دعم رجال أعمال أمريكيين له أيضا.
فى يومى 9 و10 فبراير عقدت لجنة الشؤون الخارجية بالكونجرس الأمريكى جلسة استماع حول الأوضاع فى مصر برئاسة إليانا روس الصهيونى المتشدد والداعم لمبارك دون تحفظ، وكان ممثل الأقلية باللجنة هوارد برمان وضمت مجموعة «الشهود الخبراء» الذين استمعت إليهم اللجنة أربعة عناصر مناصرين متشددين لإسرائيل منهم روبرت ساتلوف، وإليوت إبرامز، وجيمس ستاينبرج، ولورن كرايمر، ووصلت اللجنة إلى نتيجة «دعم استمرار مبارك فى منصبه، وحذرت من الخطر الإسلامى حال نجاح أى ثورة ديمقراطية». فى الوقت نفسه دعمت لجنة «العمل السياسى الأمريكية الإسرائيلية» دعوة نتنياهو من أجل دعم عمر سليمان ودعم المجلس العسكرى برئاسة طنطاوى.. كبدلاء لمبارك فى حال عدم نجاح «خطة الإبقاء على مبارك رئيسا».
وبدأ أوباما فى دعم عمر سليمان بديلا، وكذلك جاءت تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة بان كى مون بدعم عمر سليمان متوافقة مع تصريحات أوباما، وفى الوقت نفسه هدد مبارك بالقيام بمذبحة جماعية على غرار النموذج الإندونيسى إذا لم يتفرق المتظاهرون.. وفاضل سليمان علنا بين خيار بقاء مبارك أو الانقلاب العسكرى.. لكن كل هذا أسهم فى «ردكلة الانتفاضة» ورفع سقف مطالبها -حسب تعبير المؤلف- لذا قرر المجلس العسكرى «إرخاء الحكم الاستبدادى من أجل تجنب حدوث انهيار تحت ضغط الحركة الجماهيرية يهدد سلطته وممتلكاته وثروته».
وهكذا وجد «المجلس العسكرى» نفسه مسؤولا عن حكم مصر كما أرادت أمريكا. وكان المطلوب منه «تحديد مسار العملية ما بعد المباركية» بحيث تظل تبعية مصر للولايات المتحدة قائمة، مع حماية الثروة غير المشروعة لعائلة مبارك (ربما يفسر ذلك عدم المطالبة حتى الآن بالأموال المهربة إلى الخارج)، فضلا عن حماية ممتلكات النخبة العسكرية وشركاتهم. يشير المؤلف إلى أنه «ليس من قبيل المصادفة أن يمتدح إعلام التيار السائد الجماهيرى الطبيعة التلقائية للصراعات، وليس المطالب الاجتماعية والاقتصادية، ويروِّج لفضائل دور المجلس العسكرى متجاهلا 30 عاما من دورهم كركيزة للديكتاتورية، وأن يتم الإطراء على بطولة الجماهير ومثالية الشباب.. لكن لا يقترح أبدا أن يكون لهم دور سياسى مركزى فى النظام الجديد». ولهذا أيضا «وبمجرد سقوط مبارك، احتفى المجلس العسكرى والمعارضة التقليدية بنجاح الثورة ثم مضوا سريعا فى العمل على تسريح جماهير الحركة الثورية التقليدية وتقويضها من أجل التمهيد لإجراء التفاوضات بين السياسيين الليبراليين والرجعيين وواشنطن ونخبة المجلس العسكرى». وفى حالة مصر لم يكن مبارك هو فقط الحليف الاستراتيجى الأساسى للإمبريالية الأمريكية بل كانت النخبة من القادة العسكريين هم من مضت واشنطن تتفاوض معهم باستمرار قبل الإطاحة بمبارك وفى أثنائها وبعدها لكى تتأكد من أن الانتقال إلى الديمقراطية يضمن استمرار تبعية مصر للولايات المتحدة الأمريكية.
ويشدد بتراس على أن الثورة المصرية لم تكن نتيجة تمويل «NED» أو «الوقف الأمريكى من أجل الديمقراطية» لبعض النشطاء فى السابق، وأن هذا يتردد بهدف تشويه محتواها الجماهيرى، مؤكدا أن ما حدث على أرض الواقع هو أن الثورة الجماهيرية فى مصر تخطت بمطالبها «نمط البدائل» الذى كان يجهز له «NED».
وحسب الكتاب فإن الدليل على أن الثورة التى حدثت بالفعل لا تعكس النيات الأمريكية هو تأرجح مسؤولى أوباما وصراعاتهم حول ما إن كان من الجائز دعمها أو التمسك بمبارك حيث تم التعامل مع رجاله حتى اللحظات الأخيرة.



No comments:

Post a Comment